GuidePedia

0


القتل بدافع الغيرة والعرض

القتل بدافع الغيرة ودفاعاً عن العرض أمر وارد فى المجتمع المصرى أو فى بعض اجزائه فى بعض مناطق الصعيد .. وهو أمر مألوف بين البدو من العرب ، وغير مستبعد أو مستحيل فى القرى .. وربما كان اكثر الناس انتقاما للعرض هم أهل الجبل فى لبنان ، وهناك قصة لبنانية مشهورة ، تعقب الاخوان من أغرى اختهما وهتك عرضها . حتى بلغاه فى البرازيل وقتلاه هناك غيظاً وانتقاما . ولكن القتل فى سبيل العرض قد انتهى تماما فى بعض المجتمعات . وليس هذا على كل حال هو الامر فى كل المجتمعات الاوربية .. فالامر غير هذا فى اسبانيا والبرتغال واليونان وبلاد البلقان . وليس من المستحيل أن تقع جريمة قتل بدافع الغيرة والعرض فى فرنسا وايطاليا أو امريكا .. على أن هذا يحدث عادة فى حالة تهيج وانفعال ، أكثر مما يقع بعد تدبير وتعقب طويل ! ومن الاخلاق التى تلازم حب الاسرة ومتانة الوشائج البيتية غيرة الزوجية وصيانة العرض واستهجان التفريط فيه لبلوغ مأرب واتقاء سطوة . فيروض المصرى نفسه على الضنك ولا يروض نفسه على بيع العرض وابتذال البيت . وينبغى هنا التفريق بين عرض وعرض ، والتمييز بين غيرة وغيرة . فأن البدوى مثلا ليأبى أن يبذل عرضه ويثور على من ينتهك حرمه ، ويغضب للزوجة ، لأن اعتداء الغير على زوجته هو عنده بمثابة هزيمة فى حرب ، أو نكوص فى مجال صراع . أما المصرى فغيرته على عرضه من نوع آخر . ولعلة أخرى : اذ بملاذ ألفة وسكينة ، ومأوى سعادة وطمأنينة .. وأنه ليغضب للزوجة وكأنه يغضب لقرابة تقطع ، أو محراب يهان .. وهذا هو الفرق بين الغيرة التى منشؤها أدب الاسرة ، والغيرة التى منشؤها أدب القتال . فأن الافراط فى حب الاسرة والتعلق بها له تأثير فى تعلق الفرد بالمجتمع كله ، وفى علاقة الفرد بالنظام السياسى وبالحكومة القائمة على شئون هذا المجتمع .. وبعبارة أوضح : هل يكون الولاء الشديد للاسرة ، على حساب الولاء للمجتمع وللحكومة ؟ هل داء (المحسوبية ) ، مثلا يرجع أساساً الى تعلق الفرد بأسرته ، وايثار أقربائه وأصهاره على الآخرين . حتى ولو كان الاخرون أولى وأحق من الاقرباء والاصهار ؟ . الحكومة انها شىء يدارى ما استطاع له المداراة ، ويستفاد من سطوته وجاهه ما تيسرت الفائدة ، ولا بأس بارضائها بالهدايا والمجاملات فى غير حفيظة ولا استكراه .. فعلاقته بالحكومة على الاغلب الاعم ، هى علاقة عداوة مريبة ، أو مهادنة محتملة ، لم تبلغ أن تكون علاقة ود يحرص عليه أو ضمان يحميه الا فى الندرة التى لا يقاس عليها.. ومن ثم كان المصرى محافظاً ومتحفزاً للتغير فى وقت واحد ، أو كان محافظاً فى مسلكه الذى يدور على أصول الاسرة وعلاقات الرحم ، متمردا فى مسلكه من ناحية الشئون السياسية والمسائل الحكومية ، ومتى جد عليه جديد الاصلاح فلن يفلح عنده ولن يظفر منه بالترحيب والموافقة ، الا ساعة يمتزج بنظام البيت والاسرة . ويتسرب الى حياته من باب عواطف الارحام ومناظرات المنازل .. والا فلا أمل لاصلاح فى توفيق . إن صح هذا ، وما رأيناه وعانيناه يدل على أنه صحيح ، فلا بد أن يكون طريق الاصلاح قائماً على الطبيعة المتأصلة فينــا.


إرسال تعليق

الابتسامات
:) :)) ;(( :-) =)) ;( ;-( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ $-) (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer
انقر لرؤية رمز الإبتسامة
لإدراج التعبيرات يجب إضاف مسافة واحدة على الأقل :d.

.
 
Top