( الرزق .. بَينَ السَفرِ و العَجز )
قالوا في السَفَرِ و تَركِ العَجز ...
قالوا : لا يَنبَغي للعاقلِ أن يَكونَ إلّا في إحدى المَنزلَتَينِ ،
إمّا في الغايةِ من طَلَبِ الدنيا ، و إمّا في الغايةِ من تَركِها ،
و لا يَنبَغي للعاقِلِ أن يُرى إلّا في أحَدِ مَكانَين ، إمّا مَعَ المُلوكِ
مُكَرَّماً ، و إمّا مَعَ العُبّادِ مُتَبَتِّلاً ، و نَظَمَ هذا المَعَرّي فَقالَ :
ذَرِ الـدُّنيا إذا لـم تَحظَ فيها
و كُـنْ فـيها كَـثيراً أو قَـليلا
و أصـبِحْ واحِدَ الرَجُلَينِ إمّا
مَليكاً في العَشائِرِ أو أبيلا
الأبيل : الراهِب ، و قالوا : مَن ضَعُفَ عن عَمَلِه اتَّكَلَ على
رزقِ غَيرِه ، و قالَ رَجل للكرخيّ : يا أبا محفوظ أتَحَرَّك لِطَلَبِ
الرزقِ أم أجلِس ؟ قالَ : لا بل تَحَرَّك ، فَإنَّهُ أصلَحُ لك ، قالَ :
أتَقولُ هذا ؟ قالَ : و ما انا قلتُه و لكنَّ اللهَ عَزَّ و جَلَّ أمَرَ به ،
قالَ لِمَريمَ ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا )
و لو شاءَ لَأنزَلَه عليها . و أنشَدَ الثَعالِبيّ :
ألَــــم تَــــرَ أنَّ اللهَ أوحـى لِـمَـريَـمٍ
و هُزّي إليكِ الجِذعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ
و لـو شـاءَ أن تَجنيهِ من غَيرِ هَزِّها
جَنَتهُ ، و لكن كلّ شيءٍ لـهُ سَبَبْ
و قالَ ابنُ رَشيق : كتَبتُ الى بَعضِ اخواني : مَثَلُ الرَجلِ
القاعِد - أعَزَّكَ الله - كَمَثَلِ الماءِ الراكِد ، إن تُرِكَ تَغيَّر ، و إن
تَحَرَّكَ تَكَدَّر ، و مَثَلُ المُسافِرِ كالسَحابِ الماطِر ، هؤلاء يَدعونَهُ
رَحمَة ، و هؤلاء يَدعونَهُ نِقمَة ، فإذا اتَّصَلَت أيّامُه ، ثَقُلَ مَقامُه ،
و كَثُرَ لوَّامُه ، فاجمَعْ لِنَفسكَ فرجة الغَيبَة و فَرحَةَ الأوبَة ،
و السلام . و قالَ :
غِبْ عن بِلادِكَ و ارجُ حُـسنَ مَغَبَّةٍ
إن كـنـتَ حَـقّـاً تَـشـتَكي الإقــلالا
فـالـبَـدرُ لـــم يُـجـحِـفْ بِـــهِ إدبـارُهُ
ألّا يُـــســافِــرَ يَــطــلُــبُ الإقـــبـالا
و قالَ الإمامُ الشافعي رحمهُ الله :
إذَا مَــا ضَـاقَ صَـدْرُكَ مِـــنْ بِـلَادٍ
تَــرَحَّـلْ طَـالِـبًـا أَرْضًـــا سِــوَاهَـا
عَـجِـبْـتُ لِـمَـنْ يُـقِـيمُ بِــدَارِ ذُلٍّ
وَأَرْضُ اللهِ وَاسِـــعَــةٌ فَــضَــاهَــا
فَـذَاكَ مِـنَ الـرِّجَالِ قَـلِيلُ عَـقْـلٍ
بَـلِـيدٌ لَـيْسَ يَـعْلَمُ مَـن طَـحَـاهَا
فَنَفْسكَ فُزْ بِهَا إِنْ خِـفْـتَ ضَـيْمًا
وَخَــلِّ الــدَّارَ تَـنْـعَى مَـنْ بَـنَـاهَا
فَــإِنَّــكَ وَاجِــــدٌ أَرْضًــــا بِــــأَرْضٍ
وَنَفْسكَ لَمْ تَجِدْ نَـفْـسًـا سِوَاهَا
وَمَــــنْ كَــانَـتْ مَـنِـيَّـتُهُ بِــــأَرْضٍ
فَلَيْسَ يَمُوتُ فِي أَرْضٍ سِـوَاهَــا
وقالَ النبيُّ صلّي الله عليه و سلّم لِوَفدِ عبد قيس :
ما المُروءَةُ فيكم ؟ قالوا : العِفَّة و الحِرفَة .
و قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه و سلّم :
(( لو انَّكم تَتَوَكّلونَ على اللهِ حَقَّ تَوَكّلِه لَرَزَقَكم كما يَرزقُ
الطَير،
تغدوا خِماصاً و تَروحُ بِطاناً )) رواه الترمذي، وقالَ حديث حسن .
معناه: تذهب أوّل النهار خماصا: أي: ضامرة البطون من الجوع
و ترجع آخر النهار بطانا : أي : ممتلئة البطون.
( منقول ... مجموع ... )
فـقـلـتُ :
دَع عَـنكَ أعباءَ الـمَعيشَةِ و اجـتَـنِـبْ
هَــــمَّـــاً دَعــا لِـلــيـأسِ و الإرهــاقِ
و اطـلـبْ مَـعاشَكَ مُـجمِلاً مُـتَـوكِّــلاً
و سَـلِ الـتُقى بِـالـسَعيِ و الإنـفاقِ
لا تَـبسُطَـنَّ يَـديـكَ بَـسطَـةَ مُـسرِفٍ
أو تُـــمــسِـكَــنَّ مَـخـافَـــةَ الإمــلاقِ
سُبحانَ مَن خَلَقَ الـعِيالَ و لـم يُـضِعْ
مُــتَــكَــفِّــلاً بِــالـــخَـــلــقِ و الأرزاقِ
رَزَقَ الـنُـفـوسَ شَـكـورَها و كَـفـورَها
مُـتَـفَضِّلاً ثِــقْ لـــيـسَ بِـاستِـحـقـاقِ
إدفَــعْ هُـمـومَـكَ بـالـتَـوَكُّــلِ بـاسِـماً
مـا الـمُـهتَدي بِـالـقـانِــطِ الــمِـقـلاقِ
..................................................
للشاعر اسامة سليم


إرسال تعليق