الشعر والزجل
عند النقاد العرب يتشابه(الشعر)مع(الزجل)فى احتواء كل منهما عنصر الموسيقا، ويختلفان فى عنصر اللغة؛ فكلاهما كلام موزون على أى من أصناف الموسيقا، كما رصدها عالمها الأول الخليل بن أحمد الفراهيدى فى نهايات القرن الهجرى الأول، فى ستة عشر صنفا، أو خمسة عشر صنفا على اختلاف بين الباحثين فى واحد منها، هو موسيقا(المتدارك)؛(فاعلن، تن تتن)، والفارق أن(الزجل)يأتى فى مستوى(كلام العامة)، على حين يأتى(الشعر)فى مستوى(الكلام الفصيح)، هذا من بدائه النقد.
على هذا الفارق الجوهرى فإنه يعد من باب التجوز والتسمح الكبيرين الخلط بين منتج كل من الصنفين فى القول إنه(شاعر)؛ فالشاعر هو صاحب القصيدة العربية الفصيحة المنغمة بالموسيقا؛ كما سبق، على حين منتج(الزجل) ـ إن شئت الدقة ـ هو(زجال)، نعم كل منهما فنان، أديب، مبدع، لكن يبقى الفرق بينهما فى(مستوى اللغة)المستخدمة.
لكن لدينا صنفا ثالثا من صنوف الفن الطيب أيضا، فيه(قول)جميل، يتسم بالحكمة، سوى أن عنصر(الموسيقا)فيه ينكسر كثيرا، لذا لا يصح نقديا تصنيفه(شعرا)، ولا(زجلا)، وكذلك لا يصح تصنيف(قائله)، لا(شاعرا)، ولا(زجالا)، إنما هو الذى يصنفه النقاد صنفا ثالثا، وهو(القوال).
يشترك(الزجال)، و(القوال)فى إنتاج(فنون العامية)من الواو، والموال، والكف، والحضرة، والمربع، والعدودة، والبند، والكان كان، ... إلخ.
وكلما استوى(القوال)فى استقامة عنصر النغم اقترب من أخيه(الزجال)، وكلما وقع(الزجال)فى عنصر النغم يتم تصنيفه مع أخيه(القوال).
الأساس الذى يجتمع عليه ثلاثة الإخوة(الشاعر، والزجال، والقوال)أن يكون الإبداع عند كل منهم معتمدا على عناصر أخرى، هى الأهم فى إنتاج الإبداع، من عمق الإحساس، وغزارة التصوير، وكثرة الإيحاء، ودقة التكثيف، ... إلخ. فتلك العناصر هىى الأساس فى تحقيق الدهشة لدى المتلقى.
الناقد الحصيف لا يهتم نهائيا برأى المبدع فى نتاجه، ولا يهتم كثيرا بعدد الجمهور المروجين للمبدع، لاسيما(الزجال، والقوال)؛ حيث يكثر فى هذا الجمهور من ليس لديهم خلفية عن أسس النقد، ولا عن أسس الإبداع، إنما هم واحد من اثنين؛ إما مشجع من دون فهم، وإما مجامل رغم فهم.
بل إن ذلك يشمل أحيانا المبدع نفسه فى تقييمه نتاجه، أو نتاج زملائه؛ خصوصا مع تعوده سماع الإطراء من جمهوره، وهم فى هذا الحقل غالبا من العامة، ليس لديم دراية بالفن، إنما يصفقون مع المصفقين فقط.
ثلاثة الأصناف(القصيدة العمودية الفصيحة، والزجل، والقول)فى كل منها إبداع، يستحق التأمل، والفحص، والدراسة، والنقد، والتشجيع، والاستمتاع.
لكن مصيبتنا فى أدبنا العربى تكمن فيما يسمونه(الشعر الحر)، وفيما يسمونه(قصيدة النثر)، وهما عندنا ـ فى أحسن الأحوال ـ مما يمكن قبوله على أنه(نثر فيه نغم)، رحم الله العقاد حين أحال نتاج هذين من لجنة الشعر إلى لجنة النثر معلقا بأنه(لعدم الاختصاص)لدى لجنة الشعر فى المسابقة التى كان يحكم فيها لدى وزارة الثقافة المصرية.
انتشر هذان الصنفان كثيرا فى ربع القرن الأخير، وانتشرت تسمية منتج كل منهما(شاعرا)دون وجه حق؛ فهو عند النقاد، ليس(شاعرا)، وليس(زجالا)، وليس(قوالا).
ولا يغرنك ادعاءاتهم باحتواء عملهم على تصوير، أو إحساس، أو تكثيف؛ فهذا نجده كثيرا فى كلام(الشحاتين)على نواصى شوارعنا، وفى كلام العجائز المجتمعات على(تقطيف الملوخية)فى حوارى أريافنا، ولم تفكر إحداهن، ولم يفكر ناقد فى كونها(شاعرة)، ولا(زجالة)، ولا(قوالة).
إرسال تعليق