
الانـحـــراف ... قصة قصيرة لمحاربة الارهاب من مجموعتى القصصية " من الحياة " للأديب الشامل الشيخ محمد شرف الدين الكراديسي
***********************************
عندما يخيم الليل على قريتنا فى المساء تصبح البيوت وكأن فيها أشباح تريد أن تشاركنا كل ألوان الحياة ، وعلى مرمى من البصر هناك من بعيد أرى بيتاً من البيوت المظلمة يطل منه رجل فقير فلاح يكمل عشاءه نوما ولكنه أراد أن يجعل من بيته منارةَ للعلم وهذا الرجل كان يعمل فلاحاً فى قطعة أرض صغيرة يُخرج منها ما يقتات عليه هو وأولاده الصغار .
هذا الرجل يخرج كل يوم بعد صلاة الفجر قاصداً أرضه التى ورثها عن آبائه وأجداده ، يظل يعمل فيها طوال اليوم ولا يخرج منها إلا مع خروج آخر نفس للشمس مودعة لضوء النهار .
وكانت زوجته تذهب إليه بالطعام ليتناوله وهو جالس معها تحت شجرة التوت المجاورة للساقية الموجودة على رأس أرضه ، وبالرغم من أن قطعة الأرض هذه صغيرة إلا أن هذا الرجل أحس بأن الدنيا وما فيها قد حيزت له ، وكانت زوجته بجواره مشرقة الوجه بشوشة سعيدة راضية بما قسمه الله لها من زوج طيب محب لها وأولاد صغار يلعبون ويمرحون فى بيتها ... فماذا تريد بعد ذلك ؟!
وإذا بهذا الزوج الطيب يشير إليها بأن تقاسمه طعامه فليس للطعام طعم من غير مشاركتها إياه .
وكان الحب بينهما متبادلاً فكان ينظر إليها بإعجاب وكانت تبادله نفس الشعور .
وفى ذات يوم قال لزوجته بأن المياه فى الترعة كادت أن تجف ولا سبيل لزراعة الأرض إلا بإخراج هذه المياه القليلة من الترعة إلا بواسطة الطنبور " وهو آلة رفع للمياه يدوياً ولكنها شاقة ومتعبة " ، وبالفعل أتى بالطنبور وأخذ يرفع به المياه من الترعة ولكن بصعوبة ، فنظرت إليه زوجته فوجدت الإعياء بدأ يظهر عليه ، فشمرت عن ساقيها وقالت له : دعنى أشاركك العمل ، فنظر إليها مبتسماً راضياً ، وقال لها : لا أبداً إنتِ تعبانة ، فقالت له : كفاية عليك كده وأنا هكمِّل ، فترك لها الطنبور .. وأخذت تشمر عن ساعديها وساقيها وهو ينظر إليها فى حب وسعادة ، حتى انتهت من رفع المياه المطلوبة لهذه الأرض ، وبعد ذلك أخذا فى تناول طعامهما سوياً ، ولكن الزوجة بدأ يظهر عليها الإعياء والتعب ولكنها لا تريد أن تُظهر لزوجها ذلك حتى لا يتأذى ولا يتعب من أجلها ، وبعد تناولها عدة لقيمات مع زوجها انتفضت واقفة قاصدة بيتها لترى ماذا فعل أولادها الصغار فى البيت بدونها .
ولكنها عندما وصلت إلى بيتها لم تستطع فعل أى شئ لأن الألم بدأ يظهر عليها ، فآوت إلى فراشها لتستريح وحولها أولادها الصغار ومعهم أخوهم أحمد الذى يكبرهم ، فأخذ الأطفال ينادون عليها وهى تنظر إليهم دامعة العين صامتة اللسان .
فجرى أحمد إلى الحقل ونادى والده ، فجاء الأب مسرعاً ليرى ماذا حدث لزوجته الحبيبة التى كان شغوفاً بها طيلة عمره .
فوجدها تتألم ألماً شديداً ، فأخذ يسألها ماذا حدث ؟! ، ماذا حدث ؟!
وهى تنظر إليه ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، فجرى على الفور وأحضر سيارة أجرة ليأخذها إلى أقرب طبيب ، وذهبا سوياً إلى الطبيب وتركا أولادهما فى البيت بعدما أوصى الأب ابنه أحمد الذى لم يتجاوز الخامسة من عمره بأن يراعى أخواته الصغار حتى يرجع هو وأمه ... وكان طفلاً نابغة ذكياً .
وعندما وصلا إلى الطبيب وبدأ بالكشف عليها نظر إلى زوجها وقال له : خذ زوجتك وإذهب بها إلى بيتك فلن أكتب لها علاجاً ، فسأله لماذا ؟؟ ، فقال له : ماهى إلا ساعات وتفارق زوجتك الحياة .
فبكى الزوج وحمل زوجته بين ذراعيه ووضعها فى السيارة ورجع إلى بيته ، وأثناء الطريق تنظر إليه زوجته فتجد عيناه تذرفان بالدمع ، فتحدثه بعينيها متسائلة ماذا حدث ؟؟!! ، فيقول لها : مفيش حاجة إطَّمنى إنتى زى الفل وهتقومى لنا بالسلامة دا إحنا ملناش غيرك فى الدنيا أنا والأولاد ، دا إحنا من غيرك ولا حاجة ياغالية ، ثم يضمها إلى صدره ضمة شديدة وهو باكٍ .
ثم يصل إلى بيته ويدخل ويضعها على سريرها لتستريح وهو يعلم تماماً بأنها ستستريح ولكنها الراحة الأبدية ، ولكنه أصر أن يضع رأسها على فخذيه ليملىَ عينيه من زوجته التى أمست قاب قوسين أو أدنى من الرحيل ، وأخذ ينظر ويحملق فى وجهها وعيناه تذرفان بالدمع وأولاده الصغار ينظرون إلى حال أبيهم وأمهم ويبكون ، وإذا بالزوجة تغمض عينيها مفارقة زوجها وأولادها ومفارقة للحياة ، فيصرخ الأب ويصرخ الأولاد من حوله مودعين إياها إلى الدار الآخرة .
لقد فقد الأب من كانت تسانده فى حياته . لقد فقد الأب من كانت تسهر على راحته .
لقد فقد الأب نصف حياته بل نكاد أن نقول كل حياته .
الحياة بعدها لا تساوى شيئاً ، ولكنه بعد عدة أسابيع أو على الأصح عدة شهور أخذ يتماسك لأن وراءه مسئولية كبيرة وهى تربية أولاده وقرر أن لا يأتى لهم بزوجة أب ولكنه سوف يَهَب بقية حياته لخدمة أولاده .
وعندما كبر ابنه أحمد أخذ فى إدخاله المدرسة الابتدائية وكان طفلاً نابغة ، وأخذ يتدرج فى المراحل التعليمية حتى وصل إلى المرحلة الثانوية وأخذ والده يكافح من أجل تربية أبنائه تربية حسنة سليمة .... وقد اجتهد هذا الفتى اجتهاداً كبيراً حتى حصل على الثانوية العامة بتفوق ودخل كلية الطب وكان من المتفوقين ... وعندما أصبح هذا الفتى عفياً يافعاً وأصبح طالباً فى المراحل الأخيرة من كلية الطب بالأسكندرية جاءه قدره السيئ ، فقد تعرف على مجموعة منحرفة تدعو إلى الانحراف بإسم الدين وسار فى طريقهم ، طريق الغواية والفساد طريق الذهاب بلا عودة ، وتعمق معهم وانحرف معهم وسار معهم فى طريقهم ، يخربون ، يقتلون ، يستبيحون ، فعلمت السلطات المصرية بهذا وتعقبوه وساروا خلفه دون أن يدرى ، وفى ليلة مشئومة قاموا بمهاجمة بيته ولكنه كان قد علم بقدومهم فهرب فبحثوا عنه فلم يجدوه ، فماذا يفعلون ؟؟ . فقاموا بأخذ والده المسكين حتى يستطيعوا القبض عليه وحتى يقوم بتسليم نفسه .
ولكن هذا الفتى الذى ظننا أنه سوف يكون سنداً لأبيه المسكين أصبح نقمة على أبيه ، وأخذوا يحققون مع والده الذى لا يعرف شيئاً عن جرائم ابنه واستخدموا معه أشد وأعنف وسائل التعذيب الممكنة وغير الممكنة
وأصبح هذا الرجل المسكين لا يدرى بما حوله وأصبح أولاده الصغار مشردين لا يجدون من يعطف عليهم ولا من يعطيهم لقمة خبز ، وهذا الولد المتعوس الذى جلب لأبيه وعائلته الخزى والعار والذلة والمسكنة تحت شعار زائف وللأسف ظناً منه أنه يخدم وينصر الدين وكم ممن قُتلوا بإسم الدين ظلماً .
فكيف يكون هذا وأنت لا تعلم تعاليم دينك الحنيف ، أما الوالد فأصبح فى حالة يرثى لها وفى النهاية تم العثور على هذا الفتى وخرج والده من المعتقل وفى ليلة مشئومة أرسلوا إلى والده للذهاب لاستلام جثة ابنه وقيل أنه انتحر وضاع الإبن وضاع الأب فلقد كف بصره من شدة التعذيب وضاعت الأسرة كاملة بسبب انحراف ابن من أبنائها .
***********************************
عندما يخيم الليل على قريتنا فى المساء تصبح البيوت وكأن فيها أشباح تريد أن تشاركنا كل ألوان الحياة ، وعلى مرمى من البصر هناك من بعيد أرى بيتاً من البيوت المظلمة يطل منه رجل فقير فلاح يكمل عشاءه نوما ولكنه أراد أن يجعل من بيته منارةَ للعلم وهذا الرجل كان يعمل فلاحاً فى قطعة أرض صغيرة يُخرج منها ما يقتات عليه هو وأولاده الصغار .
هذا الرجل يخرج كل يوم بعد صلاة الفجر قاصداً أرضه التى ورثها عن آبائه وأجداده ، يظل يعمل فيها طوال اليوم ولا يخرج منها إلا مع خروج آخر نفس للشمس مودعة لضوء النهار .
وكانت زوجته تذهب إليه بالطعام ليتناوله وهو جالس معها تحت شجرة التوت المجاورة للساقية الموجودة على رأس أرضه ، وبالرغم من أن قطعة الأرض هذه صغيرة إلا أن هذا الرجل أحس بأن الدنيا وما فيها قد حيزت له ، وكانت زوجته بجواره مشرقة الوجه بشوشة سعيدة راضية بما قسمه الله لها من زوج طيب محب لها وأولاد صغار يلعبون ويمرحون فى بيتها ... فماذا تريد بعد ذلك ؟!
وإذا بهذا الزوج الطيب يشير إليها بأن تقاسمه طعامه فليس للطعام طعم من غير مشاركتها إياه .
وكان الحب بينهما متبادلاً فكان ينظر إليها بإعجاب وكانت تبادله نفس الشعور .
وفى ذات يوم قال لزوجته بأن المياه فى الترعة كادت أن تجف ولا سبيل لزراعة الأرض إلا بإخراج هذه المياه القليلة من الترعة إلا بواسطة الطنبور " وهو آلة رفع للمياه يدوياً ولكنها شاقة ومتعبة " ، وبالفعل أتى بالطنبور وأخذ يرفع به المياه من الترعة ولكن بصعوبة ، فنظرت إليه زوجته فوجدت الإعياء بدأ يظهر عليه ، فشمرت عن ساقيها وقالت له : دعنى أشاركك العمل ، فنظر إليها مبتسماً راضياً ، وقال لها : لا أبداً إنتِ تعبانة ، فقالت له : كفاية عليك كده وأنا هكمِّل ، فترك لها الطنبور .. وأخذت تشمر عن ساعديها وساقيها وهو ينظر إليها فى حب وسعادة ، حتى انتهت من رفع المياه المطلوبة لهذه الأرض ، وبعد ذلك أخذا فى تناول طعامهما سوياً ، ولكن الزوجة بدأ يظهر عليها الإعياء والتعب ولكنها لا تريد أن تُظهر لزوجها ذلك حتى لا يتأذى ولا يتعب من أجلها ، وبعد تناولها عدة لقيمات مع زوجها انتفضت واقفة قاصدة بيتها لترى ماذا فعل أولادها الصغار فى البيت بدونها .
ولكنها عندما وصلت إلى بيتها لم تستطع فعل أى شئ لأن الألم بدأ يظهر عليها ، فآوت إلى فراشها لتستريح وحولها أولادها الصغار ومعهم أخوهم أحمد الذى يكبرهم ، فأخذ الأطفال ينادون عليها وهى تنظر إليهم دامعة العين صامتة اللسان .
فجرى أحمد إلى الحقل ونادى والده ، فجاء الأب مسرعاً ليرى ماذا حدث لزوجته الحبيبة التى كان شغوفاً بها طيلة عمره .
فوجدها تتألم ألماً شديداً ، فأخذ يسألها ماذا حدث ؟! ، ماذا حدث ؟!
وهى تنظر إليه ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، فجرى على الفور وأحضر سيارة أجرة ليأخذها إلى أقرب طبيب ، وذهبا سوياً إلى الطبيب وتركا أولادهما فى البيت بعدما أوصى الأب ابنه أحمد الذى لم يتجاوز الخامسة من عمره بأن يراعى أخواته الصغار حتى يرجع هو وأمه ... وكان طفلاً نابغة ذكياً .
وعندما وصلا إلى الطبيب وبدأ بالكشف عليها نظر إلى زوجها وقال له : خذ زوجتك وإذهب بها إلى بيتك فلن أكتب لها علاجاً ، فسأله لماذا ؟؟ ، فقال له : ماهى إلا ساعات وتفارق زوجتك الحياة .
فبكى الزوج وحمل زوجته بين ذراعيه ووضعها فى السيارة ورجع إلى بيته ، وأثناء الطريق تنظر إليه زوجته فتجد عيناه تذرفان بالدمع ، فتحدثه بعينيها متسائلة ماذا حدث ؟؟!! ، فيقول لها : مفيش حاجة إطَّمنى إنتى زى الفل وهتقومى لنا بالسلامة دا إحنا ملناش غيرك فى الدنيا أنا والأولاد ، دا إحنا من غيرك ولا حاجة ياغالية ، ثم يضمها إلى صدره ضمة شديدة وهو باكٍ .
ثم يصل إلى بيته ويدخل ويضعها على سريرها لتستريح وهو يعلم تماماً بأنها ستستريح ولكنها الراحة الأبدية ، ولكنه أصر أن يضع رأسها على فخذيه ليملىَ عينيه من زوجته التى أمست قاب قوسين أو أدنى من الرحيل ، وأخذ ينظر ويحملق فى وجهها وعيناه تذرفان بالدمع وأولاده الصغار ينظرون إلى حال أبيهم وأمهم ويبكون ، وإذا بالزوجة تغمض عينيها مفارقة زوجها وأولادها ومفارقة للحياة ، فيصرخ الأب ويصرخ الأولاد من حوله مودعين إياها إلى الدار الآخرة .
لقد فقد الأب من كانت تسانده فى حياته . لقد فقد الأب من كانت تسهر على راحته .
لقد فقد الأب نصف حياته بل نكاد أن نقول كل حياته .
الحياة بعدها لا تساوى شيئاً ، ولكنه بعد عدة أسابيع أو على الأصح عدة شهور أخذ يتماسك لأن وراءه مسئولية كبيرة وهى تربية أولاده وقرر أن لا يأتى لهم بزوجة أب ولكنه سوف يَهَب بقية حياته لخدمة أولاده .
وعندما كبر ابنه أحمد أخذ فى إدخاله المدرسة الابتدائية وكان طفلاً نابغة ، وأخذ يتدرج فى المراحل التعليمية حتى وصل إلى المرحلة الثانوية وأخذ والده يكافح من أجل تربية أبنائه تربية حسنة سليمة .... وقد اجتهد هذا الفتى اجتهاداً كبيراً حتى حصل على الثانوية العامة بتفوق ودخل كلية الطب وكان من المتفوقين ... وعندما أصبح هذا الفتى عفياً يافعاً وأصبح طالباً فى المراحل الأخيرة من كلية الطب بالأسكندرية جاءه قدره السيئ ، فقد تعرف على مجموعة منحرفة تدعو إلى الانحراف بإسم الدين وسار فى طريقهم ، طريق الغواية والفساد طريق الذهاب بلا عودة ، وتعمق معهم وانحرف معهم وسار معهم فى طريقهم ، يخربون ، يقتلون ، يستبيحون ، فعلمت السلطات المصرية بهذا وتعقبوه وساروا خلفه دون أن يدرى ، وفى ليلة مشئومة قاموا بمهاجمة بيته ولكنه كان قد علم بقدومهم فهرب فبحثوا عنه فلم يجدوه ، فماذا يفعلون ؟؟ . فقاموا بأخذ والده المسكين حتى يستطيعوا القبض عليه وحتى يقوم بتسليم نفسه .
ولكن هذا الفتى الذى ظننا أنه سوف يكون سنداً لأبيه المسكين أصبح نقمة على أبيه ، وأخذوا يحققون مع والده الذى لا يعرف شيئاً عن جرائم ابنه واستخدموا معه أشد وأعنف وسائل التعذيب الممكنة وغير الممكنة
وأصبح هذا الرجل المسكين لا يدرى بما حوله وأصبح أولاده الصغار مشردين لا يجدون من يعطف عليهم ولا من يعطيهم لقمة خبز ، وهذا الولد المتعوس الذى جلب لأبيه وعائلته الخزى والعار والذلة والمسكنة تحت شعار زائف وللأسف ظناً منه أنه يخدم وينصر الدين وكم ممن قُتلوا بإسم الدين ظلماً .
فكيف يكون هذا وأنت لا تعلم تعاليم دينك الحنيف ، أما الوالد فأصبح فى حالة يرثى لها وفى النهاية تم العثور على هذا الفتى وخرج والده من المعتقل وفى ليلة مشئومة أرسلوا إلى والده للذهاب لاستلام جثة ابنه وقيل أنه انتحر وضاع الإبن وضاع الأب فلقد كف بصره من شدة التعذيب وضاعت الأسرة كاملة بسبب انحراف ابن من أبنائها .
إرسال تعليق