GuidePedia

0

عقارب مبتورة
قصة/ سامى عبد الستار مسلم
مصر

مسكينة يا أمي ! 
لقد أرهقتني رائحة البارود، لكن أن أرى المنديل الأبيض حول رأسك يعلن أنك أول المرضى؛ فهذا ألم مستمر يضاف لأوجاعي. 
يحتلك الصمت..
ولا تدرين ماذا تفعلين. 
يحمر خداك إعياءًا..
وترتسم على وجهك آثار بكاء.
أين نشاطك الذى لا يهدأ إلا عند استرخاء جسدك على السرير ؟ 
ربطتي هذا المنديل عند موت جدي. 
وأوقات مرضنا.
فهل ستظل حول رأسك كثيراً ؟ 
أحزن كلما رأيته.. 
ويزداد حزني كلما ازداد صمتك ! 
ليت رائحة البارود عجزت قي أن تصل إلى أنفك ! 
مفتاح المحل لا يزال معلقاً على المسمار كمشنوق. أعلم أن نظرك يتسلل إليه بين الحين والآخر. وأنا مثلك؛ وأتحسر على تقوقع أخي في شقته، في الصالة التي تعلو صالتنا هذه؛ يجلس ويشاهد المظاهرات على الشاشة، ويسمع مثلنا ما يجرى في الحي.
المفتاح الذي كان لا يفارق يده.. 
الآن يشنق على مسمار نتيجة الحائط .
يحزنك نفخه غيظاً وغضباً، ويحزنني نفخه الآخر، الذي يكون فيه مرتبكاً، وغير قادر علي فعل شىء، سوى الصعود إلي شقته .
أنا مثلك أحب النظر إلي محتويات البيت، ولا يغادر ذاكرتي شىء منها. أعرف أن ارتماء حقائب الصغار في غير أماكنها يغضبك؛ وأنها تزيدك يأساً بوضعها منذ أيام على المقاعد كوسائد. 
هؤلاء الذين كانوا يملأون البيت صخباً كل صباح، ويتعاركون معك لزيادة المصروف..
ينامون بلا مبالاة للوقت.. 
غير عابئين بحلول صبح أو ظهر.
الآن أشعر أنك لا تريدين أن توضع الحقائب في أماكنها !
حزين من أجلك !
حزين من أجلهم !
ومن أجل أوقات يومنا وساعتها التي نفضت عقاربها عنا؛
لتعبث بنا الإضاءة من المسقط..
بصبح باهت.. 
وظهر مثله..
وأوقات أخرى تتواتر في كسل وبلادة .
ثياب الخروج التي كانت تفجر أدعيتك لنا عند مغادرة البيت؛ لم ترها عيناك منذ فترة. أشاطرك الحزن إذا رأيتها على أجسادنا ليل نهار..
وأشاطرك الألم حينما تصحين فترى..
آثار الليل على وجوهنا..
وفى كل واحد رجفة.. 
ولم يزل يسكن أحداقه الذهول ! 
الأوقات المذبوحة تهد من قواك؛ حتى تروحين في النوم، أما نحن فلا يمر علينا الليل الكئيب مرور الكرام.
عيون مجهدة.. 
وأعصاب متوترة.. 
وملامح كلت من حمل الدهشة والرهبة والانتظار.
كل هذا ما يجعلنا نجلس معك بالصالة، في نورها الحيادي.
المضاء كنزيف دائم لعقارب الوقت.

إرسال تعليق

.
 
Top