علبة سردين
الساعة الآن تقترب من الثالثة مساءا"...الجو حار جدا"...
منذ أكثر من نصف ساعة وأنا هنا أنتظر وصول حافلة النقل العام حتى أعود إلى بيتي...
لم تعد قدمي قادرة على حملي... أحاول أن أستجمع قواي... فمعركة العودة في هذه الحافلة الملعونة تحتاج إلى
قوة وصبر وجلد...
كلما تمر من أمامي سيارة خاصة تقل شخص أو اثنين على الأكثر صببت جام غضبى عليها وعلى من فيها وعلى
عمري الذي ضاع في العلم والتعلم حتى أصبحت موظفا"عموميا"...
أعود إلى رشدي أستغفر الله وأحمده على نعمه التي منّ علىّ...
وبدأت المعركة... وصلت الحافلة...
قليلا"ما يحالفني النجاح... نجحت محاولتي لصعودها...
تجولت بداخلها كثيرا"... لا لأنها خالية أو عن طيب خاطر... بل رغم أنفى... حملتني أجساد البشر...
وجدتني مرة في مقدمتها وأخرى في المؤخرة...
أجساد تنبعث منها بقايا عطر وأجساد تنبعث منها أخبث الروائح...
جميلات وقبيحات...
كلاهما لا يحرك لرجولتي ساكنا"... فالمشهد أعظم من ذلك...
أضف إلى ذلك انشغالي بالمحافظة على جيوبي وخاصة الخلفي ففيه حافظة نقودي المنتفخة بالكثير من الأوراق
التي أظن أنها مهمة... من حين لآخر أجردها... أسخر من نفسي على تفاهتها... وخطورتها فقد تجعلني مطمعا" للصوص...
ترك رجل أحد المقابض المتدلية من سقف الحافلة عندما اقتربت محطة وصوله...
سبقت يد آخر يدي في الوصول إلى المقبض... ضاعت الفرصة... التشبث بأحد المقابض يعد غنيمة...
لم أخسر المقبض فحسب بل تساوت أنفى بتحت إبطه... لعن الله قصر القامة...
تمنيت أن أخرج رأسي خارج الحافلة حتى أتنفس هواء" ملوثا" بعوادم السيارات وغيرها أمنية لم تتحقق كباقي أمنياتي
عن غير قصد اندفعت الىّ إحدى الجميلات...
رائحتها الجميلة أعادتني إلى الحياة...
وددت أن يطول الوضع لا لسبب غير أن أظل على قيد الحياة...
بالكاد ابتعدت قليلا ...
نظرت إليّ بابتسامة تعبر عن أسفها قابلتها بابتسامة تعبر عن قبول أسفها
وفى الحقيقة عن شكرها.
على حسن
إرسال تعليق