مع مرور الأيام علمت أن ليلي تسكن في إحدى البنايات التي تقع في طريق منزلي .. عرضت عليها في أحدى المرات توصيلها في طريقي حتى لاتقف بمفردها تنتظر سيارة أجرة وتتعرض لمضايقات السائقين وسخافات الشباب واستظرافهم ...
رفضت على استحياء واعتذرت بطريقة مهذبة ..جعلت قدرها يزيد في نظري ويزداد احترامي لها ..
ومع الأيام أدركت أني مثل والدها وزادت ثقتها بي .. فأخذت قرارها بالركوب معي لتوصيلها إلى منزلها يوميا بعد مغادرة العمل ..
توطدت العلاقة بيننا وكنت أعاملها كابنتي ..أناصحها وأقدم لها المشورة وأعمل على إرشادها للطريق الصحيح في العمل والحياة .. وتدخل ليلى قلوبنا جميعا وتصبح إنسانة عزيزة على أسرة الإدارة لما تتمتع به من صفات وسمات ترفع من قدرها وتزيد من تقديرها.. وكانت بيننا نسمة ربيع تحيي النفوس وتوقظ الأرواح.
تمضي الأيام سريعة .. وتفاجئني ليلى بشرائها سيارة صغيرة تقضي بها حوائجها وتأتي وتذهب للعمل .. تملكتني السعادة عندما رأيتها تقود سيارتها والفرحة تملئ عينيها ...هنأتها بها وتمنيت لها كل الخير ودعوت لها بالسلامة والحفظ من كل مكروه .
تعمدت في الأيام التالية ركن سيارتي بجوار سيارتها في المكان المخصص موقف سيارات أمام الإدارة.. حتى يظل الفارق واضح بيني وبينها .. سيارتي أكبر حجما وأحدث موديل وأغلى ثمنا .. وهكذا لابد أن تكون الحياة .. الكبير كبير حتى في سيارته ..
يمضي حوالي ستة أشهر وتفاجئني ليلى بطلب غريب ..جاءت تسألني ..هل أفكر في بيع سيارتي ؟.. وتطلب مني شراؤها أن كان لدي النية للبيع ..
تعجبت من حالها ... فقد اشترت سيارتها الصغيرة منذ أشهر قليلة فكيف بها تود شراء سيارة مثل سيارتي تعادل أربعة أضعاف ثمن سيارتها ..
لم أخذ حديثها على محمل الجد ..وتخيلت أنها مجرد دعابة لم تقصد منها سوى المزح معي وخلق موقف فكاهي ..
تمضي الأيام ويمر شهر تقريباً .. وتفاجئنا ليلي ذات صباح وهى تركب سيارة جميلة تتجاوز سيارتي ثمنا وتفوقها موديل ..وتخبرنا أنها اشترت هذه السيارة بالأمس وتسألنا رأينا فيها .. ..هنأتها مع الزملاء .. ونظرنا بعضنا إلى بعض ..وأسئلة كثيرة تدور بأعيننا ..
تعمدت في الأيام التالية أن "أركن" سيارتي بعيداً عن سيارتها بعض الشيء .. فقد أحسست أني تراجعت والمقارنة بيننا ليست في صالحي ..
وتزيد ليلى الطين بلة.. وتقول لي في أحد الأيام ..أستاذ محمود أن سيارتك لم تعد تليق بك .. فقد أصبحت مستهلكة ولا تصلح للسير بها ولاتليق بك .. كيف تركب سيارة كهذه.. تخلص منها وابتاع سيارة أحدث فقد جار عليها الزمن ..
صَمت ولم أعلق .. سيارتي التي كانت منذ أشهر قليلة حلم يراودها خيالها أصبحت وقد جار عليها الزمن ..
تمضي الأيام سريعة ويمر عام ننسى خلاله سيارة ليلي وتأخذنا مشاغل الحياة .. وإذا بها تأبى أن تتركنا في غفلة أنفسنا ودائرة الأيام .. فقد فاجأتنا ذات صباح كعادتها وهى تركب سيارة مرسيدس فارهة وترتدي أفخر الثياب ..وتبلغنا أنها اشتريت سيارتها الجديدة من المعرض أمس ... قدمنا لها التهنئة ورسمنا على وجوهنا بسمة .. ونظرنا بعضاً إلى بعض تلك النظرة البلهاء ..
حرصت في الأيام التالية أن أقوم بركن سيارتي على الجانب الآخر من موقف السيارات بعيدا تماما عن مرسيدس ليلى ... فقد أدركت تماما أن المقارنة لن تكون أبدا في صالحي .. بل ربما تأخذني بعيدا وتعصف بما تبقى لدى من مكانة واحترام ..
لم ننتظر طويلا .. كالعادة فاجأتنا ليلى بعد عدة أسابيع من شراء سيارتها وهى تدخل علينا مودعة .. وتصافحنا بحرارة .. ونعلم منها أنها تقدمت باستقالتها .. وأنها قد تعاقدت للعمل بالخارج وهيأت نفسها للإقامة والبقاء في الدولة الخليجية التي سوف تعمل بها ..
تملكتنا مشاعر مختلفة بين الحزن على فراقها .. والفرح لها .. وتضاربت المشاعر .. غير إننا تمنينا لها التوفيق وصافحناها وغادرت ..
كثرت الأقاويل وزادت الشائعات بين الزملاء بعد عدة أيام من ذهاب ليلى واستقالتها ..فمنهم من يقول أنها في سبيلها للزواج من أحد شيوخ الخليج وهو الذي يبعثر أمواله عليها ويصرف عليها ببذخ بعد أن أسره جمالها ووقع في غرامها .... وآخر يؤكد أنها تعاقدت مع أحد الملاهي الليلية للعمل هناك بعد أن باتت تلهث وراء المال ولرغبتها في الثراء السريع ...وأخريات يجزمن أنها شوهدت في إحدى المدن الساحلية تعمل ضمن شبكة .......!!!
أخذت أنظر إليهم واستمع إلى حديثهم غير عابئ بما يقولون ولا يعنيني من أمرهم شيئا ..فكل ما كان يهمني ويشغل فكري أنها ذهبت بالمرسيدس بعيدا..وعادت سيارتي تحتل مكانها.. وفي الصدارة تقف شامخة وحولها يتراص باقي سيارات الموظفين الأقل ثمنا والأصغر حجماً.
إرسال تعليق
انقر لرؤية رمز الإبتسامة
لإدراج التعبيرات يجب إضاف مسافة واحدة على الأقل